18 - 05 - 2025

وجهة نظري| عيش المصريين

وجهة نظري| عيش المصريين

ليس مجرد لقيمات صغيرة يتناول صاحبها القليل منها، بينما ينصب كل اهتمامه على ماعداها من أطباق تحمل كل مالذ وطاب.. فالخبز عند ملايين البسطاء يعنى الحياة.. هو العيش كما تردد ألسنتهم والمصدر الأساسي لإبقائهم على قيد الحياة.. لايمكنهم الاستغناء عنه.. تعودوا على شظف العيش، كثيرا ما تخلو موائدهم من كل ما تشتهيه النفس من طيب الطعام لكنها أبدا لاتخلو منه.. هو الضيف الحاضر دوما ليسد جوع البطون الخاوية، تلتهمه بسرعة عله ينجح فى سد الرمق، تبالغ فى حجم لقيماته تحايلا منها على قلة المتاح من "الغموس"، تكتفى بقرص من الطعمية أو قطعة جبن صغيرة أو ثمرة طماطم إن وجدت لتنعم فى أيام اليسر الشحيحية بلقمة هنية، أما فى أيام العسر الكثيرة فتكون كسراته وحدها هى الكفيلة بمهمة الإحساس الزائف بالشبع.

هو النعمة التى يحمد الله عليها ويقبل يده بعدما يتناولها، ويقدسها إذا ما لمحتها عينه ملقاة بإهمال على قارعة الطريق، ينحيها بخشوع جانبا مستغفرا لمن أهان قدسيتها.

هو القسم الذى يردده البسطاء رافعا إياه لأعلى ليؤكد صدقه وجديته.. الشاهد على صفو القلوب وصدق النيات وقوة الروابط والرادع عن خيانة العهود والاتفاقات والوعود "ده إحنا أكلنا معاهم عيش وملح" تأتى دوما فاصلة حاسمة تدين الخائن والكاذب والمراوغ وقليل الأصل.

هو كل الحياة ..لذلك لم يكن غريبا أن يتوقف الجميع عند قرار الرئيس بإعادة النظر فى تسعير الرغيف.. أصابت الدهشة الكثيرين بينما ربط الخبثاء بين القرار وبين توقيت صدوره الذى جاء عقب إفتتاح المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فودز" لم يتندر يتوقف هؤلاء فقط على الإسم الأعجمى للمجمع وإنما أحالهم أيضا للمقولة الشهيرة المنسوبة للملكة الفرنسية السابقة مارى إنطوانيت عندما أخبروها عن معاناة الشعب التى وصلت بهم لحد عدم إمتلاك الخبز، لتردد بلامبالاة "فليأكلوا البسكويت".

التبرير الذى ساقه الرئيس لقراره المفاجئ بزيادة سعر الرغيف المدعم أملا فى توفير وجبات مدرسية لتلاميذ المدارس، دفع البعض للمطالبة بمنع تلك الوجبات فى مقابل إبقاء سعر الرغيف على حاله.

بينما تعلقت آمال البعض الآخر بنواب البرلمان على أمل أن تحمل اصواتهم بعضا من نبض البسطاء ممن لاحيلة لهم ولاقدرة على تحمل المزيد من المعاناة، بسبب زيادة الاسعار، خاصة وأن الزيادة هذه المرة تتعلق بالخبز الذى يعيش عليه وحده كثير من المهمشين الفقراء.

جاءت ردود الافعال مخيبة بعد بيان أصدره النائب علاء عابد وصف فيه قرار تحريك سعر الرغيف بأنه شجاع استحق تحية الرئيس عليه لصراحته مع الشعب وقدرته على خوض القضايا الشائكة.

تحريك سعر الرغيف بالطبع من القضايا الشائكة، لكها للأسف تدمى كاهل المواطن بدلا من تخفيف ورفع المعاناة عنه.

لم يثلج تصريح نائب البرلمان صدر البسطاء، مثلما لم تطمئنهم كلمات نقيب الفلاحين، عندما أعلن صراحة أن قرار تحريك سعر رغيف الخبز جاء بعد عام من مطالبة النقابة بإعادة النظر فى سعر الرغيف المدعم الذى يباع كعلف للمواشى والدواجن ويصل الكيلو منه لثلاثة جنيهات، وأن رفع الدعم هو اكبر خطوة للتحرر من موروثات عفا عليها الزمن، وأن الاستمرار فى الدعم خطأ فادح فلا يستفيد منه سوى الفاسدون، ويعرقل الوصول للإكتفاء الذاتى من القمح فتصل كمية القمح التى تستهلكها الحكومة لدعم الرغيف إلى 15 مليون طن سنويا ويستهلك المواطن 180 طنا كل عام وهو أعلى معدل إستهلاك فى العالم!!

تبريرات غريبة على رجل من المفترض أنه يمثل هموم ملح الأرض من البسطاء.. فلم تأت كلماته إلا لتدين رفاهية متخيلة وتغض الطرف عن حياة قاسية يعيشها ملايين الفلاحين وغيرهم من الكادحين ممن يصعب عليهم تحمل أي زيادة مهما كانت بسيطة بعدما ثقلت كواهلهم بعبء حياة قاسية وغلاء يتمدد كوحش ينهش الأرواح والنفوس والجيوب بلا رحمة.

كسرة الخبز وحدها هى حياة المطحونين، فلا تحرموهم منها.. فالضرب فى الميت حرام.    
------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قادة الندامة